كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ

الشرح‏:‏

قوله في الطريق الأخرى ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس، وأخوه هو أبو بكر، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، وروايته عن حفص من رواية الأقران لأنه في طبقته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل‏)‏ أي أن الجذوع كانت له كالأعمدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع منها‏)‏ أي حين يخطب، وبه صرح الإسماعيلي بلفظ ‏"‏ كان إذا خطب يقوم إلى جذع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كصوت العشار‏)‏ بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة جمع عشراء تقدم شرحه في الجمعة، والعشراء الناقة التي انتهت في حملها إلى عشرة أشهر، ووقع في رواية عبد الواحد بن أيمن ‏"‏ فصاحت النخلة صياح الصبي ‏"‏ وفي حديث أبي الزبير عن جابر عند النسائي في الكبير ‏"‏ اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج ‏"‏ انتهى‏.‏

والخلوج بفتح الخاء المعجمة وضم اللام الخفيفة وآخره جيم الناقة التي انتزع منها ولدها، وفي حديث أنس عند ابن خزيمة ‏"‏ فحنت الخشبة حنين الوالد، وفي روايته الأخرى عن الدارمي ‏"‏ خار ذلك الجذع كخوار الثور ‏"‏ وفي حديث أبي بن كعب عند أحمد والدارمي وابن ماجه ‏"‏ فلما خار الجذع حتى تصدع وانشق ‏"‏ وفي حديثه ‏"‏ فأخذ أبي بن كعب ذلك الجذع لما هدم المسجد فلم يزل عنده حتى بلي وعاد رفاتا ‏"‏ وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه دفن، لاحتمال أن يكون ظهر بعد الهدم عند التنظيف فأخذه أبي بن كعب، وفي حديث بريدة عند الدارمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ ‏"‏ اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت - يعني قبل أن تصير جذعا - وان شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل منك أولياء الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اختار أن أغرسه في الجنة ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف، ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف‏.‏

وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكا كالحيوان بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لقول من يحصل ‏(‏وإن من شيء إلا يسبح بحمده‏)‏ على ظاهره‏.‏

وقد نقل ابن أبي حاتم في ‏"‏ مناقب الشافعي ‏"‏ عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشافعي قال‏:‏ ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا، فقلت‏:‏ أعطى عيسى إحياء الموتى، قال‏:‏ أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ ح حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ قَالَ هَاتِ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ وَلَكِنْ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا قَالَ يُفْتَحُ الْبَابُ أَوْ يُكْسَرُ قَالَ لَا بَلْ يُكْسَرُ قَالَ ذَاكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ قُلْنَا عَلِمَ عُمَرُ الْبَابَ قَالَ نَعَمْ كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ وَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنْ الْبَابُ قَالَ عُمَرُ

الشرح‏:‏

حديث حذيفة في ذكر الفتنة‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ هو ابن جعفر الذي يقال له غندر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، وقد وافقه على رواية أصل الحديث عن أبي وائل - وهو شقيق بن سلمة - جامع بن شداد أخرجه المصنف، في الصوم، ووافق شقيقا على روايته عن حذيفة ربعي بن خراش أخرجه أحمد ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أيكم يحفظ‏)‏ ‏؟‏ في رواية يحيى القطان عن الأعمش في الصلاة ‏"‏ كنا جلوسا عند عمر فقال‏:‏ أيكم ‏"‏ والمخاطب بذلك الصحابة، ففي رواية ربعي عن حذيفة ‏"‏ أنه قدم من عند عمر فقال سأل عمر أمس أصحاب محمد أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة‏؟‏ قال أنا أحفظ كما قال ‏"‏ في رواية المصنف في الزكاة ‏"‏ أنا أحفظه كما قاله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال هات إنك لجريء‏)‏ في الزكاة ‏"‏ إنك عليه لجريء، فكيف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتنة الرجل في أهله وماله وجاره‏)‏ زاد في الصلاة ‏"‏ وولده‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تكفرها الصلاة والصدقة‏)‏ زاد في الصلاة ‏"‏ والصوم ‏"‏ قال بعض الشراح‏:‏ يحتمل أن يكون كل واحدة من الصلاة وما معها مكفرة للمذكورات كلها لا لكل واحدة منها، وأن يكون من باب اللف والنشر بأن الصلاة مثلا مكفرة للفتنة في الأهل والصوم في الولد إلخ، والمراد بالفتنة ما يعرض للإنسان مع من ذكر من البشر؛ أو الالتهاء بهم أو أن يأتي لأجلهم بما لا يحل له أو يخل بما يجب عليه‏.‏

واستشكل ابن أبي حمزة وقوع التفكير بالمذكورات للوقوع في المحرمات والإخلال بالواجب، لأن الطاعات لا تسقط ذلك، فإن حمل على الوقوع في المكروه والإخلال بالمستحب لم يناسب إطلاق التكفير، والجواب التزام الأول وأن الممتنع من تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة فهي التي فيها النزاع، وأما الصغائر فلا نزاع أنها تكفر لقوله تعالى ‏(‏إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم‏)‏ الآية، وقد مضى شيء من البحث في هذا في كتاب الصلاة‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ الفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار حتى في أولادهن، ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، وبالمال يقع الاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله، والفتنة بالأولاد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد، والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاهد، ثم قال‏:‏ وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة، وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات ففيه إشارة إلى تعظيم قدرها لا نفي أن غيرها من الحسنات ليس فيها صلاحية التكفير، ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع بنفس فعل الحسنات المذكورة، ويحتمل أن يقع بالموازنة، والأول أظهر، والله أعلم‏.‏

وقال ابن أبي جمرة‏:‏ خص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله، وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم‏.‏

ثم أشار إلى أن التكفير لا يختص بالأربع المذكورات، بل نبه بها على ما عداها، والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له، وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر بل نبه به على ما عداها، فذكر من عبادة الأفعال الصلاة والصيام، ومن عبادة المال الصدقة، ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكن التي تموج‏)‏ أي الفتنة، وصرح بذلك في الرواية التي في الصلاة، والفتنة بالنصب بتقدير فعل أي أريد الفتنة، ويحتمل الرفع أي مرادي الفتنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تموج كموج البحر‏)‏ أي تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه، وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها‏)‏ زاد في رواية ربعي ‏"‏ تعرض الفتن على القلوب فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير أبيض مثل الصفاة لا تضره فتنة، وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى يصير أسود كالكوز منكوسا لا يعرفه معروفا ولا ينكر منكرا، وحدثته أن بينها وبينه بابا مغلقا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن بينك وبينها بابا مغلقا‏)‏ أي لا يخرج منها شيء في حياتك، قال ابن المنير‏:‏ آثر حذيفة الحرص على حفظ السر ولم يصرح لعمر بما سأل عنه، وإنما كنى عنه كناية، وكأنه كان مأذونا له في مثل ذلك‏.‏

وقال النووي‏:‏ يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل، ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل لأن عمر كان يعلم أنه الباب فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل انتهى‏.‏

وفي لفظ طريق ربعي ما يعكر على ذلك على ما سأذكره، وكأنه مثل الفتن بدار، ومثل حياة عمر بباب لها مغلق، ومثل موته بفتح ذلك الباب، فما دامت حياة عمر موجودة فهي الباب المغلق لا يخرج مما هو داخل تلك الدار شيء، فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب فخرج ما في تلك الدار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال يفتح الباب أو يكسر‏؟‏ قال‏:‏ لا بل يكسر، قال‏:‏ ذلك أحرى أن لا يغلق‏)‏ زاد في الصيام ‏"‏ ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة‏"‏، قال ابن بطال‏:‏ إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح، فأما إذا انكسر فلا يتصور غلقه حتى يجبر انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح وعن القتل بالكسر ولهذا قال في رواية ربعي ‏"‏ فقال عمر كسرا لا أبالك ‏"‏ لكن بقية رواية ربعي تدل على ما قدمته، فإن فيه ‏"‏ وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل، أو يموت ‏"‏ وإنما قال عمر ذلك اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة، وسيأتي في الاعتصام حديث جابر في قوله تعالى ‏(‏أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض‏)‏ الآية، وقد وافق حذيفة على معنى روايته هذه أبو ذر، فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات أنه ‏"‏ لقي عمر فأخذ بيده فغمزها، فقال له أبو ذر‏:‏ أرسل يدي يا قفل الفتنة ‏"‏ الحديث‏.‏

وفيه أن أبا ذر قال ‏"‏ لا يصيبكم فتنة ما دام فيكم ‏"‏ وأشار إلى عمر‏.‏

وروى البزار من حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر يا غلق الفتنة، فسأله عن ذلك فقال ‏"‏ مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلنا علم عمر الباب‏)‏ في رواية جامع بن شداد ‏"‏ فقلنا لمسروق‏:‏ سله أكان عمر يعلم من الباب‏؟‏ فسأله فقال‏:‏ نعم ‏"‏ وفي رواية أحمد عن وكيع عن الأعمش ‏"‏ فقال مسروق لحذيفة‏:‏ يا أبا عبد الله كان عمر يعلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما أن دون غد الليلة‏)‏ أي أن ليلة غد أقرب إلى اليوم من غد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني حدثته‏)‏ هو بقية كلام حذيفة، والأغاليط جمع أغلوطة وهو ما يغالط به، أي حدثته حديثا صدقا محققا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا عن اجتهاد ولا رأي‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ إنما علم عمر أنه الباب لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء وأبو بكر وعثمان، فرجف، فقال‏:‏ أثبت؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ‏"‏ أو فهم ذلك من قول حذيفة ‏"‏ بل يكسر ‏"‏ انتهى‏.‏

والذي يظهر أن عمر علم الباب بالنص كما قدمت عن عثمان بن مظعون وأبي ذر، فلعل حذيفة حضر ذلك، وقد تقدم في بدء الخلق حديث عمر أنه سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وسيأتي في هذا الباب حديث حذيفة أنه قال ‏"‏ أنا أعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ‏"‏ وفيه أنه سمع ذلك معه من النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ماتوا قبله، فإن قيل إذا كان عمر عارفا بذلك فلم شك فيه حتى سأل عنه‏؟‏ فالجواب أن ذلك يقع مثله عند شدة الخوف، أو لعله خشي أن يكون نسي فسأل من يذكره، وهذا هو المعتمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهبنا‏)‏ بكسر الهاء أي خفنا، ودل ذلك على حسن تأدبهم مع كبارهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأمرنا مسروقا‏)‏ هو ابن الأخدع من كبار التابعين، وكان من أخصاء أصحاب ابن مسعود وحذيفة وغيرهما من كبار الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسأله فقال من الباب قال عمر‏)‏ قال الكرماني‏:‏ تقدم قوله ‏"‏ إن بين الفتنة وبين عمر بابا ‏"‏ فكيف يفسر الباب بعد ذلك أنه عمر‏؟‏ والجواب أن في الأول تجوزا والمراد بين الفتنة وبين حياة عمر، أو بين نفس عمر وبين الفتنة بدنه، لأن البدن غير النفس‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ غالب الأحاديث المذكورة في هذا الباب من حديث حذيفة وهلم جرا يتعلق بإخباره صلى الله عليه وسلم عن الأمور الآتية بعده فوقعت على وفق ما أخبر به، واليسير منها وقع في زمانه، وليس في جميعها ما يخرج عن ذلك إلا حديث البراء في نزول السكينة، وحديثه عن أبي بكر في قصة سراقة، وحديث أنس في الذي ارتد فلم تقبله الأرض‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الْأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ وَالنَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة وهو يشتمل على أربعة أحاديث‏:‏ أحدها قتال الترك، وقد أورده من وجهين آخرين عن أبي هريرة كما سأتكلم عليه، ثانيها حديث ‏"‏ تجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الشأن ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أول المناقب، وقوله في هذا الموضع ‏"‏ وتجدون أشد الناس كراهية لهذا الأمر حتى يقع فيه ‏"‏ كذا وقع عند أبي ذر مختصرا إلا في روايته عن المستملي فأورده بتمامه وبه يتم المعنى‏.‏

ثالثها حديث ‏"‏ الناس معادن ‏"‏ وقد تقدم شرحه في المناقب أيضا‏.‏

رابعها حديث ‏"‏ يأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله، قال عياض‏:‏ وقد وقع للجميع ‏"‏ ليأتين على أحدكم ‏"‏ لكن وقع لأبي زيد المروزي في عرضة بغداد ‏"‏ أحدهم ‏"‏ بالهاء، والصواب بالكاف، كذا أخرجه مسلم انتهى‏.‏

والأحاديث الأربعة تدخل في علامات النبوة لإخباره فيها عما لا يقع فوقع كما قال، لا سيما الحديث الأخير فإن كل أحد من الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم كان يود لو كان رآه وفقد مثل أهله وماله، وإنما قلت ذلك لأن كل أحد ممن بعدهم إلى زماننا هذا يتمنى مثل ذلك فكيف بهم مع عظيم منزلته عندهم ومحبتهم فيه

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنْ الْأَعَاجِمِ حُمْرَ الْوُجُوهِ فُطْسَ الْأُنُوفِ صِغَارَ الْأَعْيُنِ وُجُوهُهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة أورده من طرق‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا‏)‏ هو بضم الخاء المعجمة وسكون الواو بعدها زاي‏:‏ قوم من العجم‏.‏

وقال أحمد‏:‏ وهم عبد الرزاق فقاله بالجيم بدل الخاء المعجمة‏.‏

وقوله ‏(‏وكرمان‏)‏ هو بكسر الكاف على المشهور‏.‏

ويقال بفتحها وهو ما صححه ابن السمعاني، ثم قال‏:‏ لكن اشتهر بالكسر‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ نحن أعلم ببلدنا‏.‏

قلت‏:‏ جزم بالفتح ابن الجواليقي وقبله أبو عبيد البكري، وجزم بالكسر الأصيلي وعبدوس، وتبع ابن السمعاني ياقوت والصغاني، لكن نسب الكسر للعامة، وحكى النووي الوجهين والراء ساكنة على كل حال وتقدم في الرواية التي قبلها ‏"‏ تقاتلون الترك ‏"‏ واستشكل لأن خوزا وكرمان ليسا من بلاد الترك، أما خوز فمن بلاد الأهواز وهي من عراق العجم‏.‏

وقيل الخوز صنف من الأعاجم، وأما كرمان فبلدة مشهورة من بلاد العجم أيضا بين خراسان وبحر الهند، ورواه بعضهم ‏"‏ خور كرمان ‏"‏ براء مهملة وبالإضافة والإشكال باق، ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث غير حديث قتال الترك، ويجتمع منهما الإنذار بخروج الطائفتين، وقد تقدم من الإشارة إلى شيء من ذلك في الجهاد، ووقع في رواية مسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون الشعر ويمشون في الشعر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حمر الوجوه فطس الأنوف‏)‏ الفطس الانفراش، وفي الرواية التي قبلها ‏"‏ دلف الأنوف ‏"‏ جمع أدلفة بالمهملة والمعجمة وهو الأشهر، قيل معناه الصغر، وقيل الدلف الاستواء في طرف الأنف ليس بحد غليظ، وقيل تشمير الأنف عن الشفة العليا، ودلف بسكون اللام جمع أدلف مثل حمر وأحمر، وقبل الدلف غلظ في الأرنبة وقيل تطامن فيها، وقيل ارتفاع طرفه مع صغر أرنبته، وقيل قصره مع انبطاحه، وقد تقدم بقية القول فيه في أثناء الجهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجوههم المجان المطرقة‏)‏ في الرواية الماضية ‏"‏ كأن وجوههم المجان المطرقة ‏"‏ وقد تقدم ضبطه في أثناء الجهاد في ‏"‏ باب قتال الترك ‏"‏ قيل إن بلادهم ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين وشمال الهند إلى أقصى المعمور، قال البيضاوي‏:‏ شبه وجوههم بالترسة لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثيرة لحمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نعالهم الشعر‏)‏ تقدم القول فيه في أثناء الجهاد في ‏"‏ باب قتال الترك ‏"‏ قيل المراد به طول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال، وقيل المراد أن نعالهم من الشعر بأن يجعلوا نعالهم من شعر مضفور، وقد تقدم التصريح بشيء من ذلك في ‏"‏ باب قتال الترك ‏"‏ من كتاب الجهاد ووقع في رواية لمسلم كما تقدم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ يلبسون الشعر ‏"‏ وزعم ابن دحية أن المراد به القندس الذي يلبسونه في الشرابيش، قال وهو جلد كلب الماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه غيره عن عبد الرزاق‏)‏ كذا في الأصول التي وقفت عليها وكذا ذكره المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ ووقع في بعض النسخ ‏"‏ تابعه عبدة ‏"‏ وهو تصحيف، وقد أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق، وجعله أحمد حديثين فصل آخره فقال ‏"‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا أقواما نعالهم الشعر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي قَيْسٌ قَالَ أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ أَكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً وَهُمْ أَهْلُ الْبَازِرِ

الشرح‏:‏

قوله في الرواية الأخرى ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتينا أبا هريرة‏)‏ في رواية أحمد عن سفيان عن إسماعيل عن قيس قال ‏"‏ نزل علينا أبو هريرة بالكوفة وكان بينه وبين مولانا قرابة قال سفيان‏:‏ وهم - أي آل قيس بن أبي حازم - موالي لأحمس، فاجتمعت أحمس، قال قيس‏:‏ فأتيناه نسلم عليه فقال له أبي‏:‏ يا أبا هريرة هؤلاء أنسابك أتوك ليسلموا عليك وتحدثهم، قال‏:‏ مرحبا بهم وأهلا صحبت ‏"‏ فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث سنين‏)‏ كذا وقع وفيه شيء، لأنه قدم في خيبر سنة سبع وكانت خيبر في صفر ومات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة فتكون المدة أربع سنين وزيادة، وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري قال ‏"‏ صحبت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة ‏"‏ أخرجه أحمد وغيره، فكأن أبا هريرة اعتبر المدة التي لازم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة الشديدة وذلك بعد قدومهم من خيبر، أو لم يعتبر الأوقات التي وقع فيها سفر النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه وحجه وعمره، لأن ملازمته له فيها لم تكن كملازمته له في المدينة، أو المدة المذكورة بقيد الصفة التي ذكرها من الحرص، وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص المذكور، أو وقع له لكن كان حرصه فيها أقوى والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم أكن في سني‏)‏ بكسر المهملة والنون وتشديد التحتانية على الإضافة أي في سني عمري، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ في شيء ‏"‏ بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها همزة واحد الأشياء، وقوله ‏(‏أحرص مني‏)‏ أفعل تفضيل والمفضل عليه هو أبو هريرة، لكن باعتبارين، فالأفضل المدة التي هي ثلاث سنين والمفضول بقية عمره، ووقع في رواية أحمد عن يحيى القطان عن إسماعيل بلفظ ‏"‏ ما كانت أعقل مني فيهن ولا أحب أن أعي ما يقول منها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو هذا البارز وقال سفيان مرة وهم أهل البازر‏)‏ وقع ضبط الأولى بفتح الراء بعدها زاي وفي الثانية بتقديم الزاي على الراء والمعروف الأول، ووقع عند ابن السكن وعبدوس بكسر الزاي وتقديمها على الراء وبه جزم الأصيلي وابن السكن، ومنهم من ضبطه بكسر الراء‏.‏

وقال القابسي معناه البارزين لقتال أهل الإسلام، أي الظاهرين في براز من الأرض كما جاء في وصف علي أنه بارز وظاهر، ويقال معناه أن القوم الذين يقاتلون، تقول العرب هذا البارز إذا أشارت إلى شيء ضار‏.‏

وقال ابن كثير‏:‏ قول سفيان المشهور في الرواية تقديم الراء على الزاي وعكسه تصحيف كأنه اشتبه على الراوي من البارز وهو السوق بلغتهم، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق مروان بن معاوية وغيره عن إسماعيل وقال فيه أيضا ‏"‏ وهم هذا البارز ‏"‏ وأخرجه أبو نعيم من طريق إبراهيم بن بشار عن سفيان وقال في آخره ‏"‏ قال أبو هريرة وهم هذا البارز يعني الأكراد ‏"‏ وقال غيره‏:‏ البارز الديلم لأن كلا منهما يسكنون في براز من الأرض أو الجبال وهي بارزة عن وجه الأرض، وقيل هي أرض فارس لأن منهم من يجعل الفاء موحدة والزاي سينا وقيل غير ذلك‏.‏

وقال ابن الأثير‏:‏ ذكره أبو موسى في الباء والزاي، وقيل البارز ناحية قريبة من كرمان بها جبال فيها أكراد فكأنهم سموا باسم بلادهم، أو هو على حذف أهل، والذي في البخاري بتقديم الراء على الزاي وهم أهل فارس، فكأنه أبدل السين زايا أي والفاء باء، وقد ظهر مصداق هذا الخبر، وقد كان مشهورا في زمن الصحابة حديث ‏"‏ اتركوا الترك ما تركوكم ‏"‏ فروى الطبراني من حديث معاوية قال ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ‏"‏ وروى أبو يعلى من وجه آخر عن معاوية بن خديج قال ‏"‏ كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه وقع بالترك وهزمهم، فغضب معاوية من ذلك ثم كتب إليه‏:‏ لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الترك تجلي العرب حتى تلحقها بمنابت الشيخ، قال‏:‏ فأنا أكره قتالهم لذلك ‏"‏ وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية، وكان ما بينهم وبين المسلمين، مسدودا إلى أن فتح ذلك شيئا بعد شيء وكثر السبي منهم وتنافس الملوك فيهم لما فيهم من الشدة والبأس حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم، ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنة المتوكل ثم أولاده واحدا بعد واحد إلى أن خالط المملكة الديلم، ثم كان الملوك السامانية من الترك أيضا فملكوا بلاد العجم، ثم غلب على تلك الممالك آل سبكتكين ثم آل سلجوق وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم، ثم كان بقايا أتباعهم بالشام وهم آل زنكي وأتباع هؤلاء وهم بيت أيوب، واستكثر هؤلاء أيضا من الترك فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية والشامية والحجازية، وخرج على آل سلجوق في المائة الخامسة الغز فخربوا البلاد وفتكوا في العباد، ثم جاءت الطامة الكبرى بالططر فكان خروج جنكز خان بعد الستمائة فأسعرت بهم الدنيا نارا خصوصا المشرق بأسره حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم، ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المستعصم آخر خلفائهم على أيديهم في سنة ست وخمسين وستمائة، ثم لم تزل بقاياهم يخرجون إلى أن كان آخرهم اللنك ومعناه الأعرج وأمه تمر بفتح المثناة وضم الميم وربما أشبعت، فطرق الديار الشامية وعاث فيها، وحرق دمشق حتى صارت خاوية على عروشها، ودخل الروم والهند وما بين ذلك، وطالت مدته إلى أن أخذه الله وتفرق بنوه البلاد، وظهر بجميع ما أوردته مصداق قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن بني قنطورا أول من سلب أمتي ملكهم ‏"‏ وهو حديث أخرجه الطبراني من حديث معاوية، والمراد ببني قنطورا الترك، وقنطورا قيده ابن الجواليقي في المعرب بالمد وفي كتاب البارع بالقصر، قيل كانت جارية لإبراهيم الخليل عليه السلام فولدت له أولادا فانتشر منهم الترك حكاه ابن الأثير واستبعده، وأما شيخنا في القاموس فجزم به، وحكى قولا آخر أن المراد بهم السودان، وقد تقدم في ‏"‏ باب قتال الترك ‏"‏ من الجهاد بقية ذلك، وكأنه يريد بقوله ‏"‏ أمتي ‏"‏ أمة النسب لا أمة الدعوة يعني العرب والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ وَتُقَاتِلُونَ قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ

الشرح‏:‏

حديث عمرو بن تغلب في معنى حديث أبي هريرة، وهو شاهد قوي، وقد تقدم شرحه بما فيه غنية، وتقدم ضبطه في أثناء كتاب الجهاد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ تقاتلكم اليهود ‏"‏ الحديث تقدم من وجه آخر في الجهاد في ‏"‏ باب قتال اليهود‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم‏)‏ في رواية أحمد من طريق أخرى عن سالم عن أبيه ‏"‏ ينزل الدجال هذه السبخة - أي خارج المدينة - ثم يسلط الله عليه المسلمين فيقتلون شيعته، حتى إن اليهودي ليختبئ تحت الشجرة والحجر فيقول الحجر والشجرة للمسلم‏:‏ هذا يهودي فأقتله ‏"‏ وعلى هذا فالمراد بقتال اليهود وقوع ذلك إذا خرج الدجال ونزل عيسى، وكما وقع صريحا في حديث أبي أمامة في قصة خروج الدجال ونزول عيسى وفيه ‏"‏ وراء الدجال سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى‏.‏

فيدركه عيسي عند باب لد فيقتله وينهزم اليهود، فلا يبقى شيء مما يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء فقال‏:‏ يا عبد الله - للمسلم - هذا يهودي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنها من شجرهم ‏"‏ أخرجه ابن ماجه مطولا وأصله عند أبي داود، ونحوه في حديث سمرة عند أحمد بإسناد حسن، وأخرجه ابن منده في كتاب الإيمان من حديث حذيفة بإسناد صحيح‏.‏

وفي الحديث ظهور الآيات قرب قيام الساعة من كلام الجماد من شجرة وحجر، وظاهره أن ذلك ينطق حقيقة‏.‏

ويحتمل المجاز بأن يكون المراد أنهم لا يفيدهم الاختباء والأول أولى‏.‏

وفيه أن الإسلام يبقى إلى يوم القيامة‏.‏

وفي قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏تقاتلكم اليهود ‏"‏ جواز مخاطبة الشخص والمراد من هو منه بسبيل، لأن الخطاب كان للصحابة والمراد من يأتي بعدهم بدهر طويل، لكن لما كانوا مشتركين معهم في أصل الإيمان ناسب أن يخاطبوا بذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد ‏"‏ يأتي على الناس زمان يغزون فيه ‏"‏ الحديث يأتي في أول مناقب الصحابة بأتم من هذا السياق، وقد تقدم في ‏"‏ باب من استعان بالضعفاء ‏"‏ من كتاب الجهاد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ قَالَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ قَالَ عَدِيٌّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ سَمِعْتُ عَدِيًّا كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث عدي بن حاتم أورده من وجهين‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر‏)‏ لم أقف على اسم أحد منهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الظعينة‏)‏ بالمعجمة‏:‏ المرأة في الهودج، وهو في الأصل اسم للهودج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحيرة‏)‏ بكسر المهملة وسكون التحتانية وفتح الراء كانت بلد ملوك العرب الذين تحت حكم آل فارس، وكان ملكهم يومئذ إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت يد كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر، ولهذا قال عدي بن حاتم ‏"‏ فأين دعار طيئ‏؟‏ ‏"‏ ووقع في رواية لأحمد من طريق الشعبي عند عدي بن حاتم ‏"‏ قلت يا رسول الله فأين مقاتب طيئ ورجالها ‏"‏ ومقاتب بالقاف جمع مقتب وهو العسكر ويطلق على الفرسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تطوف بالكعبة‏)‏ زاد أحمد من طريق أخرى عن عدي ‏"‏ في غير جواز أحد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأين دعار طيئ‏)‏ الدعار جمع داعر وهو بمهملتين وهو الشاطر الخبيث المفسد، وأصله عود داعر إذا كان كثير الدخان قال الجواليقي‏:‏ والعامة تقوله بالذال المعجمة فكأنهم ذهبوا به إلى معنى الفزع والمعروف الأول والمراد قطاع الطريق‏.‏

وطيئ قبيلة مشهورة، منها عدي بن حاتم المذكور، وبلادهم ما بين العراق والحجاز، وكانوا يقطعون الطريق على من مر عليهم بغير جواز، ولذلك تعجب عدي كيف تمر المرأة عليهم وهي غير خائفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد سعروا البلاد‏)‏ أي أوقدوا نار الفتنة، أي ملأوا الأرض شرا وفسادا، وهو مستعار من استعار النار وهو توقدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنوز كسرى‏)‏ وهو علم على من ملك الفرس، لكن كانت المقالة في زمن كسرى بن هرمز ولذلك استفهم عدي بن حاتم عنه، وإنما قال ذلك لعظمة كسرى في نفسه إذ ذاك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يجد أحدا يقبله منه‏)‏ أي لعدم الفقراء في ذلك الزمان، تقدم في الزكاة قول من قال إن ذلك عنه نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز وبذلك جزم البيهقي وأخرج في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق يعقوب بن سفيان بسنده إلى عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال ‏"‏ إنما ولى عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهرا، ألا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيه فلا يجده ‏"‏ هذا الاحتمال على الأول لقوله في الحديث ‏"‏ ولئن طالت بك حياة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بشق تمرة‏)‏ بكسر المعجمة أي نصفها‏.‏

وفي رواية المستملي ‏"‏ بشقة تمرة ‏"‏ وكذا اختلفوا في قوله بعده ‏"‏ فمن لم يجد شق تمرة ‏"‏ قال المستملي ‏"‏ شقة ‏"‏ وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب الزكاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو مقول عدي بن حاتم، وقوله ‏(‏يخرج ملء كفه - أي من المال - فلا يجد من يقبله‏)‏ رواية أحمد المذكورة ‏"‏ والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قالها ‏"‏ وقد وقع ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به عدي، وقد تقدم في أواخر كتاب الحج من استدل به على جواز سفر المرأة وحدها في الحج الواجب والبحث في ذلك وتوجيه الاستدلال به بما أغنى عن إعادته هنا، وبالله التوفيق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعدان بن بشر‏)‏ بكسر الموحدة وسكون المعجمة يقال اسمه سعيد وسعدان لقبه، وليس له في البخاري ولا لشيخه ولا لشيخ شيخه غير هذا الحديث الواحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو مجاهد‏)‏ هو سعد الطائي المذكور في الإسناد الذي قبله، ومحل بن خليفة في الإسنادين هو بضم الميم وكسر المعجمة بعدها لام، وقد قيل فيه بفتح المهملة، وتقدم سياق متن هذا الحديث في كتاب الزكاة وهو أخصر من سياق الذي قبله، وإطلاق المصنف قد يوهم أنهما سواء والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي فَرَطُكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ إِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ الْأَرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا

الشرح‏:‏

حديث عقبة وهو ابن عامر الجهني‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن يزيد‏)‏ هو ابن أبي حبيب، وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله، والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما‏)‏ هذا مما حذف فيه لفظ ‏"‏ أنه ‏"‏ وهي تحذف كثيرا من الخط ولا بد من النطق بها وقل من نبه على ذلك، فقد نبهوا على حذف ‏"‏ قال ‏"‏ خطا‏.‏

وقال ابن الصلاح لا بد من النطق بها، وفيه بحث ذكرته في النكت، ووقع هنا لغير أبي ذر بلفظ ‏"‏ أن ‏"‏ بدل ‏"‏ عن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى على أهل أحد‏)‏ تقدم الكلام عليه مستوفي في الجنائز، وقوله ‏(‏ألا وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن إلخ‏)‏ هو موافق لحديث أبي هريرة والكلام عليه مستغن عن إعادته، ووقع هنا لأبي ذر عن المستملي والسرخسي ‏"‏ خزائن مفاتيح ‏"‏ على القلب، وقد تقدم في الجنائز والمغازي بلفظ ‏"‏ مفاتيح خزائن ‏"‏ وكذا عند مسلم والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكني أخاف أن تنافسوا فيها‏)‏ فيه إنذار بما سيقع فوقع كما قال صلى الله عليه وسلم، وقد فتحت عليهم الفتوح بعده وآل الأمر إلى أن تحاسدوا وتقاتلوا ووقع ما هو المشاهد المحسوس لكل أحد مما يشهد بمصداق خبره صلى الله عليه وسلم، ووقع من ذلك في هذا الحديث إخباره بأنه فرطهم أي سابقهم وكان كذلك، وأن أصحابه لا يشركون بعده فكان كذلك، ووقع ما أنذر به من التنافس في الدنيا، وتقدم في معنى ذلك حديث عمرو بن عوف مرفوعا ‏"‏ ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم ‏"‏ وحديث أبي سعيد في معناه فوقع كما أخبر وفتحت عليهم الفتوح الكثيرة وصبت عليهم الدنيا صبا، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ الْآطَامِ فَقَالَ هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ

الشرح‏:‏

حديث أسامة بن زيد، وقد تقدم شرح بعضه في أواخر الحج، ويأتي الكلام عليه في الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ حَدَّثَتْهَا عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِي تَلِيهَا فَقَالَتْ زَيْنَبُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ

الشرح‏:‏

حديث زينب بنت جحش‏:‏ ‏"‏ ويل للعرب من شر قد اقترب ‏"‏ وسيأتي شرحه مستوفى في آخر كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

وَعَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْفِتَنِ

الشرح‏:‏

حديث أم سلمة قالت ‏"‏ استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ سبحان الله، ما أنزل من الخزائن ‏"‏ أورده مختصرا، وسيأتي بتمامه في كتاب الفتن مع شرحه إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ وعن الزهري ‏"‏ هو معطوف على إسناد حديث زينب بنت جحش وهو ‏"‏ أبو اليمان عن شعيب عن الزهري ‏"‏ ووهم من زعم أنه معلق، فإنه أورده بتمامه في الفتن عن أبي اليمان بهذا الإسناد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لِي إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَتَتَّخِذُهَا فَأَصْلِحْهَا وَأَصْلِحْ رُعَامَهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الْغَنَمُ فِيهِ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ أَوْ سَعَفَ الْجِبَالِ فِي مَوَاقِعِ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد ‏"‏ يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم ‏"‏ الحديث‏.‏

وسيأتي الكلام عليه في الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله في الإسناد ‏"‏ عن عبد الرحمن بن صعصعة ‏"‏ هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي صعصعة، نسب إلى جده الأعلى، وروايته لهذا الحديث عن أبيه عبد الله لا عن أبي صعصعة ولا غيره من آبائه، وقد تقدم إيضاح ذلك في كتاب الإيمان، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ شعف الجبال أو سعف الجبال ‏"‏ بالعين المهملة فيهما وبالشين المعجمة في الأولى أو المهملة في الثانية، والتي بالشين المعجمة معناها رؤوس الجبال، والتي بالمهملة معناها جريد النخل، وقد أشار صاحب المطالع إلى توهيمها، لكن يمكن تخريجها على إرادة تشبيه أعلى الجبل بأعلى النخلة وجريد النخل يكون غالبا أعلى ما في النخلة لكونها قائمة، والله أعلم‏.‏